dimanche 24 février 2013
10:03

التداخل بين السني والبدعي في مسألة الاعتقاد في الأولياء الصالحين


بسم الله الرحمان الرحيم

أجرى الحوار سفيان كرباع من جريدة الضمير – تونس -

بلغت مسألة التوسل بالأولياء والاعتقاد في كراماتهم مظاهر عديدة في مجتمعنا التونسي عبر التاريخ لتنتقل إلى ألسنة بعض السياسيين في الآونة الأخيرة وتضع الخطاب الحداثي التنويري الذي يتبنونه في مأزق لتناقضه مع التأثير الخرافي للأولياء عندهم. من هذا المنطلق طرحنا هذا الموضوع على الدكتور هشام قريسة نائب رئيس جامعة الزيتونة حتى يؤصل هذه المسألة تأصيلا شرعيا منهجيا ويصل إلى فهم طبيعة التمازج والتداخل الذي وقع بين ماهو سنة و ماهو بدعة في هذه المسألة وطرق معالجة ذلك؟

يقول الأستاذ قريسة   :هناك شيء من الصواب في ردع هذه المظاهر والتشنيع عليها خاصة منها التي تتعلق بالتمسح على القبور والتضرع  إلى الموتى والنحر عند أضرحتهم، لكن الإصلاح ينشأ أساسا من إصلاح الفكر، و القرآن الكريم قد توخى هذا المنهج في عملية إصلاح الاعتقاد عند الناس. وأما الذين اعترضوا على مسألة هدم الأضرحة وحرقها  فلأن هذا الفعل من الهدم والحرق مخالف للأعراف الإسلامية و الإنسانية و الحضارية. أما من ناحية الطرح الإسلامي للموضوع فيمكن القول إن  هذا الأمر قد اختلط فيه السيئ بالحسن واختلط فيه الابتداع بالاستنان، أما الجانب الذي لا تعارض فيه مع الشريعة فهو زيارة القبور باعتبارأن المقصد منها هو الاتعاظ والتذكر ومعرفة مآثر العلماء والترحم عليهم والوقوف على تاريخهم وما كان لهم من دور علمي وتنويري، ولذلك فالزيارة لهذه الأماكن لا يجب أن تخرج عن هذا الحد،ومناقب هؤلاء الأولياء هو تاريخ يشرف الأمة ويجعلها متصالحة مع علمائها ومع دينها ولذلك كانت أكثر هذه المشاهد أماكن لتحفيظ القرآن وتدريس العلم . أما ما زاد على ذلك من التمسح على القبور وإيقاد الشموع والذبح عند الأضرحة فهو يخرج من الاستنان إلى الابتداع ويخرج عن سنن المسلمين وآدابهم مع موتاهم. وقد وجد شيء من هذا في تاريخنا، وهذا التداخل بين السني والبدعي لم تسلم منه الأمة.

تأصيل العلماء :
يقول الأستاذ هشام  :أما ما نلاحظه من أقوال العلماء في هذه المسألة فقد كان لهم موقفان من هذه الممارسات التي يمارسها العوام في الغالب مما كنت بصدد ذكره ، فاتجه الرأي الأول إلى أن هذه الممارسات تدخل في الكفر والشرك وأصحاب هذا الرأي يرون ضرورة صرف العامة عن هذا الأمر ولو بالقوة، ولو بهدم هذه الأماكن لأنهم يرون أن هذا الطريق هو الأسرع والأسلم في تحقيق عقيدة التوحيد في الأمة. ويمثل هذا الاتجاه طائفة من أهل السنة من مختلف المذاهب، وليس الأمر مقتصرا على الحنابلة فقط الذين هم حاسمون في هذا الأمر. أما الرأي الثاني فهم أكثر أتباع الأمة من الحنفية والمالكية والشافعية يرون أن هذه الممارسات الخارجة عن الحد المعروف عند السلف، تدخل في دائرة التحريم والمعصية ولكنها لا تصل إلى درجة الكفر والشرك. ويرى هذا الفريق أن هذه الأمور لا يحسن فعلها لأن الشبهة في تحريمها قائمة، ويؤكدون على ضرورة الفصل بين ما سنه الإسلام من الاعتبار والترحم على الميت و الدعاء له و عنده ، وبين ما تجاوز ذلك مما يستشف منه التعلق العظيم بالأولياء والتضرع عند قبورهم و تصور نفعهم و ضرهم فهذا يجب تركه.

تحقيق المعادلة :
على مستوى المعالجة قال الأستاذ : إن المفروض هو حماية العوام من كل ما يؤدي إلى انحراف عقائدهم وفساد دينهم حتى لو كانت المسألة فيها شبهة، ولكن هذا إنما يقع بتوعية الناس وتوضيح الأمور لهم حتى يعلم الناس ما يجوز من هذه الممارسات وما لا يجوز، وماهو مسنون وماهو مبتدع، فالمسنون نؤكده كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة " . فالنهي جاء أولا والإباحة جاءت ثانية ، والإباحة هي الناسخة وأما ما زاد على ذلك مما هو تعلق شديد بالميت وتعظيم له ونحر عند ضريحه  فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عَقْرَ في الإسلام "  ومعناه أن لا تُذبح الذبائح عند القبور. هذا ويجب أن تكون علاقتنا بأسلافنا وعلمائنا علاقة اقتداء بأفعالهم لا علاقة توسل بأشخاصهم و أعمالهم لأننا مدعوون إلى أن نأخذ بطريقتهم و مطالبون بتكريمهم والدعاء لهم والترحم عليهم والاستنان بأعمالهم لأنهم هداة الأمة نسير على دربهم وتبقى علاقتنا بالله سبحانه وتعالى علاقة مباشرة خالصة، كما كانت علاقتهم بربهم علاقة مباشرة ، خالصة بدون توسط. وإنما يتم هذا بتوعية الناس وتعليمهم وتوجيههم ، وأساسا بتدخل أولي الأمر من المسلمين الماسكين بمقاليد الأمة الذين ينبهون على البدع ويمنعون التجاوز و ينشدون الصواب وينفذون الأصلح ، فهم ولاة الأمور، وبالتالي لا يترك هذا الأمر للأفراد و الجماعات ، من شاء هدم ومن شاء أقام، ومن شاء أحرق ومن شاء هلل وتوسل،  فتجتمع النقائض ويكثر الشغب بين الناس ويعم الهرج والمرج ، وقد يؤدي هذا الأمر إلى التناحر والتقاتل، ولذلك فإن الأمة بأئمتها وأولي أمرها هي التي تنظم هذا الشأن وتنفي عنه الخبث وتميز الحدود بين ما هو مشروع و بين ما هو ممنوع. وبالتالي نقول للناس صبرا ، فهذا الأمر موكول إلى همة أولي الأمر من هذه الأمة المسلمة، لمّا يتهيأ لها التمكينُ والقدرةُ فإنها ستقوم به بالاستعانة بعلمائها على أكمل وجه وأهدى سبيل.

وإن المناشد للحق إذا اختلطت عليه المسالك وتطرّفت عنده الأقوال وتقابلت ، فإن سبيله المنشود هو الوسط ، لا إفراط ولا تفريط و إنما تَوزّع الناس بين محب غالِ ومبغضِ قالِ , فسنّة الإسلام أن لا نقدّس أسلافنا ولا نعظّمهم كما يفعل غلاة الصوفية وسنّته أيضا أن لا نُهينَهم ولا نَزْدَريهم كما يفعل غلاة الحنابلة وإنما هو القَصْدَ،القَصْدَ  والوَسَطَ ، الوَسَطَ.                                              

 
بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire