vendredi 3 février 2012
15:23

هل تحوّل الإفتاء إلى منصب تافه ؟


بسم الله الرحمان الرحيم

نائب رئيس جامعة الزيتونة: المفتي يرضى بالامتيازات مقابل التخلي عن دوره

(الضمير العدد 7 الخميس 2 فيفري 2012)
تونس- الضمير- منى كوكي

لقي اقتراح وزير الشؤون الدينية نورالدين الخادمي تأسيس مجلس اجتهادي للإفتاء ردّا رافضا من مفتي الجمهورية. وفي الحقيقة فإنّ التشكيك في منصب المفتي ودوره ليس جديدا لأنّ مكانته مهتزة بين عموم التونسيين، بل يصل الأمر إلى أن يصبح هذا الرجل محلّ تندّر، وهو الذي لم يتعدّ حضوره العلني "تزيين" المجالس الحكومية والرئاسية وإعلان دخول الأشهر الحرم.
وتتعدد المآخذ على المفتي، فهو منصب احتكرته بعض العائلات المتصاهرة ولم يُعرف عنه موقف مستقل بل انسحب في أشد الفترات التي وصفت بـ"الحرب على الإسلام" في تونس في العهدين البائدين. بل تكررت الفتاوى حسب الطلب ومنها فتاوى البرومسبور والمسابقات الرقمية...
الضمير التقت الدكتور هشام قريسة نائب رئيس الجامعة الزيتونية وحاورته حول القضايا المتعلقة بموقع المفتي ودوره:   

هل مازلنا في حاجة إلى مفتي جمهورية لا يخرج إلى الناس إلاّ مناسباتيا دون أيّ سلطة أو دور فعلي؟
منصب مفتي الجمهورية هي وظيفة علمية يقوم بها من تأهل في العلم، فالمجتمع الإسلامي يفرز أشخاصا لهم مكانة وسط المجتمع ولهم تكوين شرعي وعلمي فيتهيّؤون شيئا فشيئا إلى إفتاء الخاصة ثمّ إفتاء العامة، وهو ليس وظيفة سياسية كما كان في الدولة العثمانية ثمّ استمر التقليد في الدول العربية الناشئة.
وكان بروز المفتين  تلقائيا باعتبار تكونهم الشرعي ونظرهم في مصادر الفقه والعلم بحيث تصبح لديهم ملكة علمية، وبقي منصبا اعتبرت الدولة أنها تحتاجه.

هل نحن في تونس اليوم في حاجة إلى هذا الدور المسند إلى المفتي؟
أنا في بداية التسعينات كان لي اعتراض على خطة مفتي الجمهورية لأنها حسب رأيي ليس لها أي عمل إضافة إلى أنها خطة استخدمت لتبرير مواقف السلطة سياسية فهي وظيفة خدمت القادة ولم تخدم الأمة كما هو مفروض وخدمت الحكام.
ولنفترض أنّ المفتي اليوم سيعود إلى أن يكون دوره وعلمه لصالح الناس وليس لصالح السلطة المشكلة اليوم لا أراها في الهيكل إن كان فردا أو مجلس إفتاء وإنّما الإشكال القائم في من سيتهيّأ لهذه المسؤولية أي من هي الشخصية أو الأشخاص المهيئين للقيام بدور الإفتاء. وخاصة بعد خمسين سنة من تهميش الزيتونة وبعد أن فقد الناس ثقتهم في هذه المؤسسة وبعد تخلي أهل العلم عن القيام بواجبهم. فمحاربة السلطة للزيتونة ليست مبررا للتخلي عن البحث، فحتى الطلبة في جامعة الزيتونة نشعر أنّ لهم لا مبالاة قابلها تخلي الأساتذة عن دورهم.
ومجلس الإفتاء لا يمكن أن يتكوّن إلا من خلال هذه المؤسسة الوحيدة الموجودة في تونس فهي التي أوجدت الدعاة والمفتين والعديد ممن صححوا مسار الحكام في وقت ما فهذه المؤسسة فقدت مكانتها وضعف دورها وسلّم علماؤها بالواقع فتوقف طلب العلم وانشغلت النخبة بالبكاء على الوضع الموجود والبعض الآخر غادر اختياريا البلاد والتحقوا بالمدارس في البلدان الخليجية وغيرها.
ونتيجة لذلك وقع انتداب أساتذة الزيتونة على أساس ولائهم السياسي وليس على أساس الكفاءة العلمية، ودور المفتي أصبح مثل ذر الرماد على العيون كي نقول إنّ تونس فيها مفت.

وهل كان اختيار مفتي الجمهورية كذلك على أساس الولاء السياسي؟
الاختيار كان من بين الموجودين على الساحة كانت البقية الباقية ممن تكونوا في بداية الستينات على يد أساتذة كبار في الزيتونة مثل الشيخ فاضل بن عاشور وأحمد بن ميلاد والشيخ العربي العنابي وغيرهم.
أي أنّ هؤلاء المشايخ كوّنوا تلاميذ لهم أصغر منهم سنا بقليل منهم المرحوم الشيخ محمد الحبيب بلخوجة والشيخ مختار السلامي والشيخ كمال الدين جعيط ونحن أدركناهم وتتلمذنا على أيديهم. ولكن لا يمكن أن تحسبهم على تكوين الزيتونة في مرحلة بورقيبة وبن علي لأنّ تكوينهم سابق من الخمسينات وحتى في الأربعينات، لكنهم مارسوا الإفتاء في هذين الفترتين ولم يكن للسلطة إشكال في اختيار من يشغل دور المفتي لأنّه وجد هؤلاء.

لماذا حسب رأيك لم يدر الإفتاء إلاّ في فلك بعض العائلات دون غيرها؟
هذا صحيح لأنّ هذه العائلات التي تولت الإفتاء كان لها حضور علمي في الزيتونة في الخمسينات، وهذا لا ينكر. فبقي النظام يختارهم "بالتقسيط" طيلة فترة الحكم بالنسبة إلى بورقيبة وكذلك في فترة حكم بن علي، لكن التراجع بدأ منذ سنة 2000 ولم يعد لدينا الإطار لاختيار الجدير بهذه الوظيفة رغم الولاء السياسي لكن كانوا يتميزون بشيء من الكفاءة.
لكن الإشكال برز اليوم والسؤال هو من ستختار لهذه الوظيفة. فكل الجامعات التونسية بما فيها جامعة الزيتونة فقدت الكفاءات فأنتجوا رداءات علمية.

هل هذا يبرر احتكار "البلديّة" لهذا المنصب؟
هذا الاحتكار مرده أنّ من يأتي من الأرياف هو إنسان يحمل همّا في الأغلب ولديه حس إسلامي وهذا ما لمسناه في صوت الطالب الزيتوني في الخمسينات، فقد كان أكثر أعلامها من القرى وأكثر من عارضوا هذا العمل السياسي في الزيتونة هم من عائلات تونس المدينة باِستثناء بعض العائلات كعائلة ابن عاشور.

وما الذي جعل شخصية المفتي لا تحتل مكانتها الضرورية في تونس؟
المفتي في تونس ليس له أيّ دور فهو لا يبدي رأيه في البرامج التعليمية والبرامج الثقافية أو ما يعرض في المناسبات العامة الثقافية ولا يؤخذ رأيه في البرامج التعليمية وإن كانت متوافقة مع التوجه الديني في البلاد، نستطيع أن نقول إنه لا يتعدى أن يكون صوريا إلى درجة أنّه منصب "تافه". فالشخص الذي لديه مشروع لتوجيه الأمة إلى توجه إسلامي لا يمكن أن يرضى بمثل هذه الوظيفة.
ماهي اعتراضاتك تحديدا على منصب مفتي الجمهورية؟
دور المفتي كان مجرد دور تبريري لما تقوم به السلطة، وهو منصب باعتبار واجهته وامتيازاته كان محل تنافس فيتنازلون في سبيل الحصول على هذا المنصب ولذلك من يقبل المناصب وخصوصا من له صلة بالشرع هم أناس ليس لديهم برنامج أساسي في التغيير هو قبول للامتيازات مقابل التخلي عن أيّ دور في الأمّة.
وأنا أرى أنّ هذا المنصب مكبل ينتهي بالباحث إلى أعمال إدارية ليس لديها أي فائدة ومكان العلماء الذين يريدون فعلا إفادة الأمة هو الجامعة.

ما رأيك في المقترح الذي تقدم به وزير الشؤون الدينية في تكوين مجلس إفتاء تكون وظيفة اجتهادية؟
إذا كان هذا المجلس سيضم مجموعة من الباحثين والمنشغلين بالقضايا الشرعية ويكون له دور فعلي فلم لا، مع الحرص على يكون متكونا من أشخاص ذوي كفاءة وليس أشخاصا يسعون إلى المناصب.
وبالنسبة إليّ اعتبر من الأولويات تفعيل كل المؤسسات المشتغلة في حقل الدين والتي يمر إصلاحها من إصلاح جامعة الزيتونة. فلدينا العديد من المشاكل انطلاقا ممن يلقون الدروس في المساجد وصولا إلى مستوى الأئمة وكل هذا مرتبط بهذه المؤسسة، لذا فمن أوكد المهام الآن هو إصلاح الزيتونة.
والعمل الشرعي اليوم أصبح معقدا ولا بد فيه من علوم كثيرة فالشخص الواحد أصبح غير قادر على الإفتاء ولا بد أن يكون هناك مجلس إفتاء على الشكل الموجود في المشرق الإسلامي ويتوحد مع المجلس الإسلامي الأعلى لكن إذا لعب هذا المجلس نفس الدور التبريري للمفتي فالأفضل أن يبقى شخص واحد أفضل.



بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire