mardi 1 mai 2012
14:33

صكوك الغفران وصكوك الخسران


بسم الله الرحمان الرحيم

قد يقول قائل: صكوك الغفران نَعلَمُها، أو قد نعلمها، ونعلمُ أصحابها فما هي صكوك الخسران؟ ومن الذي يوزعها؟ ومن الذي سَيَبُوءُ بها؟ صكوك الغفران قديمة، وأشهر من قال بها النّصارى، وزّعها الأحبار والرهبان على الأتباع المنتسبين إلى الملّة النصرانيّة صكوك الغفران ضمانات لدخول الجنة توزّع على أتباع عيسى بن مريم يملكها الهيكل الكنسي، يعطيها لمن يُرى أنّه أهل للتواب، بتفويض – بٍزَعْمِهم - من ربّ العالمين، وصورة ذلك أن المسيحيّ إذا قارب على مفارقة الحياة ورُئْيَ عليه سمات الموت، يأتيه إلى بيته الرّاهب أو الحَبر، فيجلس بجانبه وهو ممّدد على فراشه، فيطلب منه اعترافاته، والاعترافات هو أن يذكر أنه أخطأ وأثم في حق نفسه وفي حق غيره، وأنه أصاب من الموبقات، وأنه نادم على ما فعل، باك على ما ارتكب، وأنه يرجو من الله المغفرة والعفو، فيطمئنه الرَّاهب، ويخفف من حسرته وحزنه ويبشره بمغفرة الله ورضوانه وأنه سيكون مع أحبابه وإخوانه في الجنة، فهذا الذي قدّمه الراهب لهذا المحتضر المودّع هو صك الغفران أي التأشيرة التي سيدخل بها الجنة.
فما هي صكوك الخسران؟ أعاذنا الله منها
يقول هذا المتسائل كأنني فهمتها، إذ بضدّها تتميز الأشياء، صكوك الغفران هي صكوك الجنة، أو هي ضمانات الجنّة. إذًا صكوك الخسران هي صكوك النّار، أو هي البطاقات المقتطعة، يَحُوزُ بها أناس، بل هلكةُ الناس أماكنهم في النار، يبقى الذي لم أستوعبه بعد، من هذا الذي يوزّع أماكن النّار؟ من هذا الذي ثكلته أمه يرضَى أن يَحملَ بطاقات العذاب يوزّعها على من يشاء من الناس من هذا الشقي الذي يأتي بالشؤم ويحكم على الناس بالخيبة والخسران إنهم الذين رضوا أن يكونوا همزةًّ، لمزةًّ، يهمزون في أعراض الأمة الإسلامية ويلمزون أخيارها، ويلعنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم خلف هذه الأمة الضّال، يطعنون في عقيدة الصحابة والسّلف، ومن جرى هواه على تعظيمهم ومحبّتهم، ويقللون من أمانة من آمن وجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخلص لله، ونصح للدين وجعل هواه موافقا لما رغّب فيه الله ورسوله.

فقالوا - خذلهم الله - فلان في النار وفلان في السعير، وفلانة في العذاب وفلان في الأغلال والحميم، وجميعهم في الجحيم، وإنما هذه دركات تفاوت فيها، من رَأَوهُ أهلاً لكل تصنيف، واتفقت هذه الطائفة الشيعية على أنّ الصحابة خابوا وخسروا، إلا نفرًا معدودا منهم يَذكرُونهم بأسمائهم لم يَرضَوا أن تُنزَعَ الإمامة والخلافة من آل البيت وتعطى لأبي بكر وعمر وعثمان، لأن هؤلاء الذين اختارهم المسلمون ليسوا أهلا لذلك، وليس لهم من العلم والحكمة والأمانة والطهر ما لعليّ وآل بيته، وحكموا على الأمة حكم شؤم وخسارة وهلاك، وجاؤوا بصكوك العذاب يُوزّعونَها فكانوا أسوَأ حال من الأمة النصرانية، لأنّ أحبار النّصارى ورهبانهم تفاءلوا خيرا بالأتباع، فوزّعوا عليهم صكوك الغفران، ورَجَوْا ربّهم -على ما هم فيه من الضّلال- أن يرحمهم ويتقبلهم في جنّات النّعيم، أما هؤلاء الخارجون عن المنهج الربّاني فقد حكموا على أخيار الأمة بأنهم هلكى، ضالّون، بعد أن رضاهم الله سبحانه وتعالى في كتابه، وغفر لهم وبعد أن شهد النبي صلى الله عليه وسلم - بما لا يُحصَى عدَدًا من الأحَاديث والآثار- بصلاحهم وأمَانَتهم وحُسن ديَانتهم، وعُقبَى حَالهم، فهل بعد شهادة الله ورسوله فيهم، وشهادة المؤمنين لهم نقول: هم في النار.

فهؤلاء الظلمةُ المَخْزٍيُّونَ يأتون لمن زكّاهم الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيحكمون عليهم بالخسران كما حكم أهل الكتاب على المعتنقين من دياناتهم بالغفران، فكلاهما حَادَ عن الصّراط المستقيم، فإن أمر الفصل بين الناس والحكم فيهم خيرًا أو شرّا إّنما هو لله وحده، يقول سبحانه وتعالى "فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" البقرة 113، "وإنّ ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " النحل 124، "إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين" الدخان 40، " إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" السجدة 25، إلى آيات كثيرة تدلّ أنّ أمر الفصل لله وحده، وأنّ أمرَ الإنسان هو أن يؤمنَ ويعملَ صالحا ويدعوَ إلى الله ويقول إنّي من المسلمين، بكل ما تعني كلمة الإسلام، في جميع دلالاتها اللّغوية والشرعية منها مسالمة النّاس، وأن يكفّ شرّه عنهم وفي الحديث الصحيح "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (صحيح البخاري، كتاب الإيمان – باب 4) أفلم يعلم هؤلاء الذين يُهَلِّكُونَ الناس، بل يُهَلِّكُونَ خيار الناس – أنهم قد خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول:" إذا سمعت الرجل يقول :هلك الناس، فهو أَهلَكُهُم"  ( الموطأ – كتاب الكلام ص 609).

وخلاصة هذا المقال، أنه ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى وأنه لا تزر وازرةٌ وزر أخرى، وأنه ليس له من أمر الحكم في مصائر الناس شيئا، وأنه من الحياء والأدب أن يعرف مقداره، حتى يعرف مقدار الرّجال، وأن يكون كريمًا يقرّ بفضل السلف الصالح وأن لا يستفزّه الشيطان فَيُرٍيَهُ نفسه أنه خيرٌ مقامًا وأحسنُ نديا، فإنه ما من شك كما ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" خير أمتي (وفي رواية خَيرُ النّاس) قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يُستشهدون  ويُخونون ولا يُؤتمنون ويُنذرون ولا يُوفون ويظهر فيهم السمَنُ (صحيح البخاري باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :1).

ولا شك أن هؤلاء الذين نتحدث عنهم، الموزّعون لصكوك الخسران قد نشؤوا بعد القرون الخَيّرة في الإسلام وعوضا أن يسيروا على هداهم ويَتَخَلّقُوا بخُلقهم استَزلّهم الشيطان فلم يميّزوا بين الصالح والطالح ولم يفرّقوا بين النافع والضار، فضلوا عن سواء السبيل، وتنكبوا عن الصّراط القويم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.
                    

      
بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire