لقد تعودنا في هذا البلد الذي كان رائدا في العلم، أن يأتينا شهر رمضان وتأتي معه غرائب التفسير وعجائب القصص ومنكرات الأحاديث، ويشاء أناس قائمون على الثقافة والإعلام والتكوين الديني قبل الثورة وبعدها، أن يستمروا في تمرير هذه الرداءات على مسامعنا وأن يشحنوا بها عقولا كان الأولى تهذيبها وترقيتها وتلقينها المعارف الصحيحة والآداب النيّرة والقيم الفطرية النافعة ولم يكن هذا المقال الذي أنشره اليوم بين النّاس هو الأول في هذا الباب، فقد سبقت منّي مقالات كتبتها سنة 2006 و 2007 وما بعدها على صفحات الجرائد وأنا أستنكر على بعض الخطباء في المساجد، وعلى الدعاة والوعاظ أخبارا مزيفة وقصصا ركيكة يلقونها على مستمعيهم من دون أن يقدّروا مدى التجهيل والتضليل والتعمية وتفسيد الفطر والعقول التي تنشأ عن هذه العمايات التي تطمس نور العلم عن النّاس، فينتكس المجتمع ويتردّى إلى أسفل سافلين.
ولا يخفى أن المسؤولية في انتكاسة الأمة في عقليتها ومعارفها، مسؤولية أطراف عديدة، منها ما يتصل بهؤلاء القُصّاص الذين يَتّبعون غرائب الأخبار ورديئها من دون تمحيص ومن دون الاهتمام بما قاله فيها جهابذة العلم والمحققون منهم، ومسؤولية المشرفين على الإعلام الديني المقروء والمسموع والمشاهد في اختيار وتقديم من يتولّى هذا الأمر العظيم والخطير في آن واحد، المتصل بثقافة الأمة وفكرها وآدابها، وكذلك مسؤولية السياسيين المتنفذين في البلاد في اختيار الأكفاء وأصحاب الثقافة النيّرة، والتدين السمح من المديرين ورؤساء المصالح وأهل الخبرة في الإعلام للإشراف على القنوات التلفزية والإذاعية والصحافة المكتوبة.
بعد هذا التنبيه أخلُص إلى ما سمعته في "قناة الزيتونة"، في مفتتح هذا الشهر المبارك من الداعية الكويتي نبيل العوضي في الحصة المتلفزة التي خصصها للحديث عن "الجنّ" وساق فيه قصة خلق آدم، وما كان من إغوائه وخروجه من الجنّة وهبوطه إلى الأرض ثم بعد هذا التلخيص لما جاء من حديثه ، أنبه على عظيم الزيف في الحكايات التي سردها وتشويه القصص القرآني بترهات وأخبار واهية مكذوبة منسوبة إلى السلف الصالح، أنكرها المفسرون والمحدثون على السواء، وليس الأمر يتعلق بما قاله في حصة بعينها فإن العقلية الخرافية لا تنجب إلا التفاهات المتكررة مع كل خطبة ومع كل حديث، فإن حبل الرداءة لا ينقطع عن العقلية المتردية المنتجة لذلك.
قال هذا الداعية المقتحم مجالسنا وبيوتنا إن الله سبحانه وتعالى خلق الجنّ قبل آلاف السنين من خلق الإنسان وأنه سبحانه أسكنهم الأرض وكانوا في حروب دائمة دامية بينهم فأرسل إليهم الملائكة يقاتلونهم حتى أطردوهم إلى جزائر البحار وقمم الجبال ومعهم إبليس الذي كان يسمى عزازيل وهو من قبيلة من الملائكة تسمىّ الجنّ وأنّه كان مخلوقا صالحا ولما أمره الله بالسجود لآدم رفض فحوّله شيطانا رجيما، وأطرده من الجنّة وأسكن آدم وزوجه الجنّة، فلمّا أراد إغواءهما دخل بطن الحية وتسلل إلى الجنّة وأغوى حوّاء بالأكل من الشجرة فأكلت وهي بدورها أغوت آدم فأكل منها .
وأبدأ بذكر الاعتراضات الموجهة لهذه الروايات ثم أذكر مصادرها وإنكار العلماء لها.
الاعتراضات:
أولها: ما جاء في كلامه من هذه التفاصيل في الأحداث السحيقة الموغلة في القدم وتواريخها وأسمائها وأماكنها وحيثياتها ممّا هو وأمثاله في القرآن غيب من الغيب الذي استأثر الله بعلمه وعلم بحكمته أن لا جدوى للبشر في معرفة كنهه وطبيعته، فهذه الأخبار المفصلّة لا يوجد لها ما يدعّمها في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو مما لا يستطيع أن يحيط به الصحابة والتابعون إلاّ عن طريق النقل الصحيح المتصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم وبما أنه لم يثبت ذلك عن صاحب الشرع بالنقل الثابت، فإنه لا يجوز الخوض فيه، ولا يجوز نسبة شيء إلى الصحابة لأنه افتراء وادعاء كاذب في الدين وهو من البهتان المهلك في النّار .
ثانيها: أنّ ابليسا كان مخلوقا صالحا، عابدًا قبل امتحانه بخلق آدم، هو عكس ما نقله القرآن والسنّة من صورة إبليس الذي لا نعلمه إلاّ مخلوقا حقودًا وكائنا رجيما وشيطانا مَريدا ولا يمكن أن يُعرف صلاح أو طلاح إلاّ بعد التكليف والابتلاء ولهذا لم يتحدث القرآن عن إبليس إلا لما كلّف وعصى، فلمّا رفض الطاعة توضحت فطرته، التي كانت قبل التكليف والأمر فطرة خاوية لا شيء فيها، فالطاعة والمعصية إنما تتّصل بالاستجابة للأمر أو رفضه.
ثالثها: وأغربها ما ادّعاه هذا الداعية من أن الشيطان لما منع من دخول الجنّة وأراد إغواء آدم وزوجه دخل في بطن الحية وتسلل إلى الجنّة في غفلة من خزنتها فتمكن من إغواء حوّاء حتى أكلت من الشجرة وهي بدورها أغوت آدم وأنه أطاعها فيما أطاعت فيه الشيطان.
إن أغلب الروايات التي اعتمد عليها نبيل العوضي ممّا رواه الطبري والثعالبي في تفسيريهما وما نقله بعض أهل الحديث كابن أبي حاتم والحاكم النيسابوري وعبد بن حميد، وأكثر هذه الروايات تتصل ببعض الإخباريين المولعين بالقصص الذين اتهموا إمّا بالكذب أو بالضعف أو بعدم التوثيق والتحري في الرواية كالسدي ومقاتل بن سليمان وعبد الملك بن جريج ومحمد بن إسحاق فهؤلاء وطائفة معهم من المتروكين والضعفاء من المشتغلين بالحديث والتفسير أفسدوا العلم بما خلطوه من الأكاذيب والترهات والأخبار الزائفة وكثير منها من الإسرائيليات والأباطيل المنقولة عن أهل الكتاب أمّا السدي فهو محمد بن مروان بن عبد الله الأصغر كوفي متهم بالكذب كما قال ابن حجر العسقلاني في ترجمته [انظر تقريب التهذيب ترجمة رقم 6284]
وقال ابن كثير في "تفسير السدّي" عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عبّاس طورًا وعن ابن مسعود طورًا آخر "هذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه اسرائيليات كثيرة، فلعلّ بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة والله أعلم، والحاكم يروي في "مستدركه" بهذا الإسناد بعينه ويقول أشياء، ويقول على شرط البخاري [تفسير ابن كثير 1/105] وكان الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 404 هـ قد ادّعى في كتابه "المستدرك" أنه سيخرّج أحاديث على شرطي البخاري ومسلم وادّعى أنه استدرك أحاديث صحيحة تركاها، وليس له في صحة ما رواه إلاّ الادّعاء.
وما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في السدّي من أنه متهم بالكذب قاله الحافظ محمد بن علي الداووي في كتابه "طبقات المفسرين في ترجمة محمد بن مروان هذا المعروف بالسدّي الصغير" [ انظر رقم الترجمة 583 ص 470].
وأما مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي، الخراساني المفسّر المتوفي سنة 150 هـ، كذّبوه وهجروه ورُميَ بالتجسيم [انظر تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر ترجمة 6868 ص 476] [أنظر أيضا طبقات المفسرين للداودي ترجمة 642] وهجروه بمعنى تركوا رواياته، ورمي بالتجسيم أي رُميَ بفساد العقيدة، وهو أنّه يحمل أوصاف الخالق على أوصاف المخلوق (وهي عقيدة اليهود) و أما محمد بن إسحاق المطلبي المدني (تـ 150 هـ) صاحب المغازي فقد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والقطان واحتجوا بحديثه، ولم يخرّج له البخاري شيئا في "صحيحه" وكذلك مسلم وثقه ولكنّه لم يُخرّجْ له إلا حديثا واحدا من أجل طعن مالك بن أنس فيه [وفيات الأعيان لابن خلكان ج 4 ص 277]
وأما عبد الملك بن جريج فقد سئل عنه مالك فقال "كان حاطب ليل" أي أنه لم يكن يتحرّى في مروياته [انظر سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي ج 6 ص 487] ولا يتثبت فيها، وهذه الكلمة "حاطب الليل" مثلٌ عند العرب لمن يجمع ما يُرادُ وما لا يُراد فالذي يحتطب في الليل قد تقع يده على ثعبان فيظنه عودًا، لأنه لا يراه، وكذلك حال من يجمع الصحيح والباطل من الأحاديث والمرويات قد يأتي بالمنكرات والترّهات . والعجيب في هذه المرويات والأخبار التي ذكرت عن إبليس لا تكون إلاّ برواية إبليس نفسه وقد قدّم لنا الوضاعون من المشتغلين بالتفسير ترجمة مستفيضة عن إبليس "CV" فيها نسبه واسمه وحيّه الذي كان ينتمي إليه وتاريخه البطولي في محاربة الجنّ حينما كان شهما صالحا وعن وظيفته فقد ادعوا أنه كان من خزنة الجنّة، بل كان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة كما ذكره عبد الرحمان بن أبي حاتم التميمي في "نفسيره" وكل هذه البيانات عن إبليس من محض الخيال والادعاء قال الحافظ ابن كثير " وقد روي عن ابليس آثار كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها ومنها ما قد يُقْطع بكذبه لمخالفته للحقّ الذي بين أيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة، لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان وقد وُضِعَ فيها أشياءُ كثيرةٌ وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأيمة والعلماء والسادة والأتقياء والأبرار النّجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دوّنوا الحديث وحرروه وبينّوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه...[انظر البداية والنهاية ج 5 ص 128]
وقد نقل ابن كثير روايات ممّا ساقه ابن جرير الطبري في "تفسيره" أنّ الله خلق خلقا فقال اسجدوا لآدم، فقالوا لا نفعل، فبعث الله عليهم نارًا فأحرقهم ثم خلق خلقا ثانيا فأمرهم بالسجود فأبوا فبعث عليهم نارًا فأحرقهم وثالثا، قال ابن كثير "وهذا غريب ولا يكاد يصح إسناده فإن فيه رجلا مبهما ومثله لا يحتج به والله أعلم [تفسير ابن كثير ج 1 ص 106].
ففي سند الحديث عن شريك عن رجل عن عكرمة عن ابن عبّاس، وقد تلهف الشيخ العوضي على هذه الروايات الغريبة، التي لا أصل لها، ينقلها ويتحف مسامعنا بروايتها بعدما قال فيها المحققون من أهل العلم ما قالوا.
وأما مسألة الحيّة التي استبطن الشيطان جوفها ليمرّ إلى الجنّة على حين غفلة من "رضوان" أحد خزنتها، فهذه من أعاجيب القصص التي لا يليق بالمسلم روايتها فضلا عن اعتقادها فإنها ممّا تحطّ من قدره وتغمز في عقيدته.
هذه الرواية من أنّه دخل في فم الحيّة إلى الجنّة هو عين ما جاء في التوراة[انظر تفسير ابن كثير 1/111] وقد ذكر فخر الدين الرّازي في "مفاتيح الغيب" أنّ هذه الرواية من كلام القصاص الذين رووا عن وهب بن منبه اليماني والسدي عن ابن عبّاس وغيره وأنّ الحية كانت دَابّة لها أربع قوائم كأنها "البختية" فلما فعلت ما فعلت، لُعِنت وسقطت قوائمها وصارت تمشي على بطنها وجعل رزقها في التراب ثم قال "واعلم أنّ هذا وأمثاله مما يجب أن لا يلتفت إليه لأن إبليس لو قدر على الدخول في فم الحيّة فَلِمَ لا يقدر على أن يجعل نفسه حيّة ثم يدخل الجنّة، ولأنه لمّا فعل ذلك بالحيّة فَلِمَ عوقبت الحيّة مع أنها ليست بعاقلة ولا مكلفة؟ [تفسير الرازي ج 3 ص 15 – سورة البقرة]
ووهب بن منبه هو أبو عبد الله الصنعاني الذماري من التابعين كان كثير الإخبار عن الكتب القديمة وهو مؤرخ عالم بأساطير الأولين ولا سيما الإسرائيليات وكان قد آتهم بالقدر وكان قد امتحن في كِبره، وضرب [الأعلام للزركلي ج 8 ص 125] وقد ذكر الدكتور كرد جواد علي في كتابه "تاريخ العرب قبل الاسلام (ج 1 ص 44) أن وهْبًا من أصل يهودي وكان يزعم أنه يتقن اليونانية والسريانية ويحسن قراءة الكتابات القديمة" ومن هنا دخلت هذه الروايات إلى كتب التفسير.
وكذلك حال كعب الأحبار، وهو من التابعين، كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن، أسلم وقدم المدينة في زمان عمر بن الخطّاب، فأخذ عنه النّاس كثيرا من أخبار الأمم الغابرة، كما أخذ هو من الكتاب والسنة عن الصحابة، وقد توقف كثير من الصحابة في روايته عن الكتب القديمة من ذلك ما رواه البخاري في "صحيحه" وترجم له باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" وساق روايات عن معاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة وابن عبّاس – رضي الله عنهم جميعا – تُنبّه على هذا الأمر وعلى الاحتياط منه، من ذلك أن معاوية ذكر كعب الأحبار، فقال "إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنّا مع ذلك لنبلُوَ عليه الكذب [الجامع الصحيح كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب قول النبيّ لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ج 9 ص 139]، فهذا الذي رواه البخاري أخذ به مالك من قبل ولذلك توقّف عن رواية " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فقال: " لم أسمع به من ثبت فأما ما كان من كلام حسن فلا بأس به [انظر كتاب الجامع لابن عبد الحكم ص 70] وقد عللّ مالك توقّفه في هذا الحديث أن الأثبات من علماء المدينة لم يرووه وما منعهم من روايته إلا خوف ما يقع فيه النّاس والقُصاص من الأغاليط والأوهام التي تشوش عقيدة المسلم وتفسد عليه دينه وهذا الحديث "حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج" أخرجه أصحاب السنن وتوقف فيه مالك لما يخشى على النّاس من روايته ولعلّ توقف العلماء الأثبات قبله من التابعين وغيرهم لهذا السبب، قال سفيان بن عيينة، ما رأيت أحدا أجود أخذًا للعلم من مالك بن أنس وما كان أشدّ انتقاءه للرجال والعلماء [الديباج المذهب لابن فرحون ص 64].
وقد تعلق الشيخ العوضي – غفر الله له – بمرويات عجيبة ذكرها بعض أهل التفسير ممن علم تعلقهم بهذه الاسرائيليات التي شحنت بها كتب اليهود والنصارى ولو كان في هذه الكتب خيرا، لانتفع بها أصحابها أولا ولكنّها كانت ضلالة، فما زادتهم إلا عماية وتخبّطا في الجهل ومن هذه الأعاجيب أنّ الله لمّا أمرهم بالهبوط فقال: "اهبطوا منها جميعا" وقال "اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ" قالوا الخطاب لآدم وزوجه وإبليس والحيّة، فنسبوا للحيّة الأمر والتكليف بالنزول، ثمّ عيّنوا مواقع النزول فقالوا هبط آدم بالهند وحواء بجدّة والشيطان بالبصرة والحية بأصفهان وهذا ضرب من التخمين وقول بالأزكان ورجم بالغيب قال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير القرآن الحكيم المعروف بتفسير المنار "وكل ما ورد في هبوط آدم وحواء من تعيين الأمكنة فهو من الإسرائيليات الباطلة [ج 1 ص 230] وكذلك الأمر المتعلق بالجنّة التي سكنها آدم وزوجه هل هي في السماء أو في الأرض وما يتصل بتعيين الشجرة التي أكل منها آدم.
فقد نُقِلَ عن أبي منصور الماتوريدي في تفسيره المسمى "بالتأويلات" قال: " نعتقد أن هذه الجنّة بستان أو غيضة من الغياض كان آدم وزوجه منعمين فيها، وليس علينا تعيينها ولا البحث عن مكانها وهذا هو مذهب السلف ولا دليل لمن خاض في تعيين مكانها من أهل السنّة وغيرهم [تفسير المنار ج 1 ص 229].
ولم يعين الله تعالى لنا هذه الشجرة فلا نقول في تعيينها شيئا وإنما نعلم أن ذلك لحكمة اقتضته [ج 1 ص 229] وكان الإمام الجليل التونسي محمد بن عرفة في تفسيره قد أعرض عن ذكر هذه الترهات التي نقلها القُصّاص والإخباريون فقال في معنى الهبوط " الأمر لآدم وحوّاء وإبليس " واستشهد على ذلك بما نقله العلماء عن الحسن البصري -أعلى الله مقامه – قال: آدم وحوّاء والوسوسة .[ انظر تفسير ابن عرفة برواية تلميذه الأبي ج 1 ص 263].
وقال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور "والخطاب لآدم وزوجه وإبليس، والأمر تكويني،و به صار آدم وزوجه وإبليس من سكّان الأرض[التحرير والتنوير ج 8 تـ 2 ص 68] ، وفي خصوص تكبّر إبليس وعصيانه، بيّن أن الله تعالى خلق في نفس إبليس جبلة تدفعه إلى العصيان عندما لا يوافق الأمر هواه ورأيه فكانت جبلّته مخالفة لجبلّة الملائكة، وإنما استمر في عداد الملائكة لأنه لم يحدث من الأمر ما يخالف هواه، فلما حدث الأمر بالسجود ظهر خُلُقُ العصيان الكامن فيه [التحرير والتنوير ج 8 ق 2 ص 39] وفي مسألة وسوسة الشيطان قال: " فقد وزعت الوسوسة وتذييلها على السورتين[يقصد سورة البقرة وسورة الأعراف] على عادة القرآن في الاختصار في سوق القصص اكتفاءً بالمقصود من مغزى القصّة لئلا يصير القصص مقصدًا أصليا للتنزيل [التحرير والتنوير ج 8 ق 2 ص 59] ونجده – رحمه الله تعالى – قد أعرض عن ذكر هذه الإسرائيليات والأخبار الغريبة والمنكرة، فلم يذكرها أصلا، ولم يلطخ كتابه بها، فكان تفسيره تحريرا للعلم وتنويرا للعقول فجازاه الله على هذا العلم النافع خير الجزاء، وجعله في الصدّيقين، كما كان أعلام قبله في الأمة، نصحوا وأخلصوا عملهم، ونقّحوا علمهم فلم يرووا عن الأثبات الصالحين إلاّ ما كان حقا، وما كان نافعا وما كان صالحا للأمة، وقد قال الإمام الحافظ عبد الرحمان بن مهدي " لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إماما في العلم من روى عن كل أحد ولا يكون إماما في العلم من روى كل ما سمع، قال والحفظ، الإتقان [التمهيد لابن عبد البرّ القرطبي ج 1 ص 64] وقد جاء عن رسول الله صلىالله عليه وسلّم ذمّ الإكثار بدون تفقّهٍ ولا تحرّ فقال "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكلّ ما سمع" وفي الأثر "إن الذي يحدث بكلّ ما سمع لمجنون" قال أبو عمر بن عبد البرّ "الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين وعلمائهم ذمّ الإكثار، دون التفقه والتدبّر، والمكثر لا يأمن مواقعة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم لروايته عمّن لا يُؤْمَنُ [جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 122].
فاتقوا الله أيها الدعاة والوعاظ والخطباء فيما تنقلونه للناّس، فإن هذا العلم دين، وانظروا عمّن تأخذون دينكم، وعليكم بالعتيق، المحرّر المصفّى، الذي له نور من نور الله لا تخطئه فراسة المؤمن، وعليكم بعلم من شهد المسلمون بعلمهم وإتقانهم واتركوا غرائب القصص ومنكرات الأخبار فإن عليها ظلمة كظلمة الباطل، وقفوا عند حدود ما وقف عنده نصّ الكتاب والسنّة الصحيحة وعليكم بالمعروف المنتشر عند أهل العلم من هذه الأمة، فإنها لا تجتمع على ضلالة.
بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة
بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة
1 commentaires:
جزاك الله خير وأثابك الله
Enregistrer un commentaire