samedi 24 décembre 2011
09:54

كلمة تنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال تعداد تعاليمه ونصائحه



بسم الله الرحمان الرحيم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
 إنها من المناسبات العزيزة علينا، أن نلتقي في هذا المكان الكريم لنتدبر سيرة سيد الأولين والآخرين 'إمام المرسلين' صفي رب العالمين، النبي الأكرم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمي، القرشي اصطفاه الله تعالى من خير بطن من بطون قريش، ومن خير قبيلة من قبائل العرب، ومن خير أمة أخرجت للناس، انتسب فقال:" أنا من نكاح ولست من سفاح" إذ اتصل نسبه بالزواج الشرعي الصحيح إلى آدم عليه السلام من دون أن تكون هناك حلقة من حلقات السفاح في نسبه، المبعوث إلى الثقلين،
الإنس والجن بأهدى كتاب، وأقوم سبيل بعثه الله للناس كافة، وجعله رحمة للعالمين ومثلا أعلى للمهتدين أرسله بدين الفطرة، الذي لاشطط فيه ولا مغالاة، ولا عسر ولا إعنات، دين يقوم على السماحة واليسر ورفع الحرج، دين يقوم على التكافل والإحسان والنصح والإخلاص في القصد والعمل، قال عليه الصلاة و السلام:" الدين ، النصيحة، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأيمة المسلمين وعامتهم".
وقد أعطى النبي(ص) مثالا رائعا في العلاقات البشرية والمساواة الإنسانية فقال: يا أيها الناس كلكم من آدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، مصداقا لقوله تعالى" إن أكرمكم عند الله أتقاكم " ودعا إلى وحدة الأمة وترابطها وتآلفها وأمر بالسمع والطاعة لأولي الأمر، ونهى عن الخروج عليهم لأن ما يحصل بالتناصح والإقناع أعظم فائدة وآمن سبيلا.
ودعا إلى  تواصل الأجيال وترابطها فقال: " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا " ونهى عن العنصرية والتباهي بالأنساب والأحساب، وقال: " دعوها إنها نتنة " ونبه المسلم إلى الإحساس بمن هو أضعف منه وأقل حيلة وجهدا وإلى مواساته بنصحه وجهده وماله مصداقا للأخوة الإسلامية والتكافل الاجتماعي.
وقرر المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات فقال: " الناس سواسية كأسنان المشط ".
ورتب الواجبات عليهم قبل الحقوق باعتبار أن الإنسان تحمل المسؤولية والأمانة التي كلفه الله بها قبل تحصيل الحقوق،إذ الحقوق ناشئة عن مهمة الاستخلاف في الأرض، هذه المهمة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين  أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ولكنه جهل وظلم لأنه قصر في الوفاء بها، فكانت حاجة الناس إلى الرسل عظيمة لإتمام هذه المهمة، والوفاء بهذا العهد ثم فصل عليه الصلاة والسلام هذه الواجبات تفصيلا مبينا بتكليف كل إنسان بمهامه في حدود مسؤولياته
  الأسرية والاجتماعية فقال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
 ثم إنه صلى الله عليه وسلم رتب الحقوق تبعا للمسؤوليات والواجبات فقال:" إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه"، فأكد حق النفس وحق الزوجة تأكيدا مضاعفا بإضافة لفظ "إن" في كلامه.

ونبه على الحقوق الزوجية وأكد على أهميتها وضرورة حمايتها ومراعاتها لما ينشأ عن طبيعة العلاقة الزوجية من خلافات ومشاحّات وتظلمات قد تعصف – في بعض الأحيان- بهذا البناء الأسري، وحدد مسؤوليات كل واحد منهما، ودعا إلى حسن المعاشرة وإكرام الأهل، وعدم تتبع العورات والزلات، وأرشد إلى مكارم الأخلاق وأوصى بالجار وأمر بحسن التعامل في باب المعاوضات فقال:" رحم الله امرؤا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى"، وحث كأحسن ما يكون الحث على بذل المال في سبل الخير من شتى أنواع المساعدات المالية كالإطعام والإكساء وغيرها للفقراء والمساكين وذوي القرابات وكقضاء الحاجات، والمساهمة في النفع العام، فإنه ليس شيء أطفأ لغضب الله، وأدعى لتحقيق الإلف بين الناس ونزع الحزازات من نفوسهم كبذل المال، ورغب الناس في طلب العلوم والمعارف وتحصيل الآداب الشرعية والقيم الإنسانية النبيلة، وحذق الحرف والصنائع وإتقانها فإن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه.  
وأوصى بحماية الدماء والفروج والأموال من الانتهاك، فإن هذه المحميات الثلاثة هي قوام الحياة، وأساس المعاش ومنتهى الآمال لبني البشر ودعا إلى المحافظة على العقول، لأنها المرشد إلى سواء السبيل وبها التمييز بين صالح الأعمال وسيئها، وبين نافع التصرفات وضارها، فنهى عن الإدمان والإسكار وتناول الضار من مختلف المطعومات والمشروبات وغيرها، وأمر بالاقتصاد في الملذات والنفقات من دون تقتير ولا إسراف، وجعل العمل الصالح والمقصد الأسنى هو المقياس الأوحد في القبول والثواب عند الله تعالى، ونادى في الناس برسالة التوحيد وبدعوة العقل إلى نفي الشرك ونبذ جميع مظاهر الخرافة والدجل والسحر والشعوذة فأقر بأن النفع والضر، والحكم والأمر بيده سبحانه وتعالى، لا يشاركه فيها أحد، ولا ينازعه فيها منازع، وحث الناس على التمدن، واتباع مواطن العمران لما يحصل فيها من تعلم الآداب والعلوم، ونهى عن سكنى البادية وملازمتها لأنها تكون بمنأى عن تهذيب النفوس وتثقيفها، ولما يحصل فيها من الجفوة والغلظة بسبب البعد عن الحضارة فقال:" من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن خالط السلاطين افتتن".

ورأى أن المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فدعا إلى تطهير القلوب من أوضار الحسد والغش والنذالة وإلى صقل الألسنة بتعويدها على القول الحسن وتجنيبها فحش الكلام وبذيءه وأعطى المثل الأعلى في ذلك فلم يكن فحّاشا ولا لعّانا ولا بذّاء
وأرسى معالم الشورى بين المسلمين في جليل الأمر وحقيره ودعا إلى التناصح وقبّح الاستبداد بالرأي والانفراد بالقرار، لأنه سبيل إلى الفشل فقال:" ماشقي امرؤ عن مشورة ولا سعد باستبداد برأى"، فتنفيذ كل قرار عند الناس مرهون بالمساهمة في اتخاذه وتحمله ولما في الشورى من تواضع السائس واحترام المسوس.

وخلاصة ما قيل، وما يقال في هذا الرسول الأعظم، القائم بأمر الله الأنسب، أنه سوّى للأناسيّ الطريق الذي سيسيرون فيه إلى النهاية المحتومة التي لا مناص منها، وأنه حد حدود هذا الطريق وأنار جوانبه بمختلف معالم الإضاءة وهدى الناس إلى سلكه مطمئنين فتركهم- لما التحق بالرفيق الأعلى- على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها، ولم يفارق إلا وقد مهد لهم طريق النجاة وجعله سهلا، ذلولا، نيرا، مأمون العاقبة، لا عذر لمن تنكّب عنه، ولا هداية لمن توخّى غيره، وكان قوله تعالى – في سورة الفاتحة – "اهدنا الصراط المستقيم"، جامع الأدعية كلها ولب الابتهالات جميعها، وشعار التلبية ونحن في سعينا فيما بين طرفي الحياة والممات مرددون، لبيك اللهم لبيك، ونحن بسعديك وحنانيك سائرون إليك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire