samedi 10 décembre 2011
17:05

العرب أمة النسيان



 بسم الله الرحمان الرحيم

لم يكن النسيان في ثقافة الأمم – قديما وحديثا – بالأمر الجيد أو الفعل المحمود، أما كونه ليس من الأمر الجيد، فإنه وضع في أعراف اللغات، ومنها العربية مضادا للذكر والحفظ، يقال نسيت الشيء نسيانا ونَسيًا ونسيا، ونساوة ونسوة، أي غفلت عن الذكر وحفظه.
                                                                                
     قال الشاعر:        فلست بصرام ولا ذي ملالة         ولا نسوة للعهد يا أم  جعفر
    لسان العرب: 15/321               

أي فلست بقاطع للود، ولفا بي ملل من معاشرتك، ولست بناس للعهد، ويقال رجل نسيان، كثير النسيان للشيء وهذا من باب المؤاخذة.
وأما كونه ليس من الفعل المحمود،فإن الله سبحانه وتعالى آخذ عباده على النسيان أو التناسي، ويدل على ذلك الآيات الكثيرة التي تعرضت لمسألة النسيان في مواقع متعددة من الكتاب العزيز، وابتداء هذه المؤاخذة حينما عهد الله سبحانه وتعالى لآدم عهده
فنسيه، عهد عاليه- وهو في الجنة – أنه لا يستمع إلى الشيطان ولا يطيعه ولا يغتر بكلامه لأنه غاش، كفور، حسود وحقود, يقول:" ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما ."[طه 112] وأما هذا العهد فهو المبين بقوله "فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك..."[طه 114] فالنسيان هنا هو الترك و إهمال العمل بالعهد عمدا، فكان بذلك عصيانا استحق به أن يخرج من الجنان، ولكن بني آدم لما طال عليهم العهد بعد هبوط أبيهم إلى الأرض برفقة عدوه، نسوا ما ذكروا به، وهو أن يتخذوا الشيطان عدوا، واتخذوه في مقابل ذلك خليلا، نسوا عهد الله فنسيهم، قال أحمد بن يحي المعروف بثعلب (أحد أيمة العربية) لا ينسى الله عز وجل إنما معناه تركوا الله فتركهم فلما كان النسيان ضربا من الترك، وضعه موضعه[ لسان العرب: 15/322] والنسيان مستعمل أيضا في الإضاعة كقوله تعالى: "قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسى" طه .124  

ويذكر النسيان ويراد به السهو والغفلة، وليس هذا مقصودا في هذا المقال، منه قوله تعالى:" واذكر ربك إذا نسيت" [الكهف: 24] وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها متى ذكرها، وهذا مما لا مؤاخذة للإنسان عليه لأنه خارج عن قدرته، وهنا أخلص إلى مغزى هذا الموضوع فأقول: إذا كان النسيان، يقصد به في كلام الله تعالى ترك العمل وإهمال العهد الذي ألزمنا به مع الوعيد بالعقاب، وبشر المال عن تضييعه وهو معاداة الشيطان والاحتراز منه وعدم الركون إليه، فما اختصاص العرب بهذا النسيان، وهذا مما اشترك فيه الأناسي، ووقع فيه الأنام في جميع العصور - إلا من رحم ربك – نعم هذا من النسيان المهلك الذي دق وخفي وتباعد العهد به وطال مما لا يدركه إلا اللبيب الفطن، ولكن ما ظنك بعدو غشوم، ظلوم، نسي العرب فظاعته المتكررة، ومظالمه المتلاحقة، تغافلوا عن عداوته، بل تولوه ولاية طاعة وبر هو عدو من بني آدم، دلت سير التاريخ والأحداث على بشاعة ما اقترف وعلى شناعة ما صنع، جالت يداه إلى الآثام فارتكبها وإلى الدماء فأنهرها، وإلى الأجساد فأحرقها وإلى الديار فهدمها وغلى العهود فنكثها وإلى البساتين من الشجر والنبات فحسكها وإلى القوانين والأعراف والقيم فامتهنها.

إنهم اليهود وإن شئت قلت "بنو صهيون" فالأسماء تختلف والمسمى واحد فما أسرع ما ينسى العرب هذا العدو الغشوم، وإنما حالهم كما قال  زهير بن أبي سلمى: ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لا يكرم نفسه لا يكرم والعرب إنما يعيشون – اليوم حياة الاغتراب والانبتات، ومن غربتهم أنهم اختلطت عليهم الأمور وانقلبت عندهم موازين الولاء والانتماء فلم يعودوا يميزون صديقهم من عدوهم، كالذي ضاعت منه بوصلته فلم يعد يهتدي إلى طريقه، ولا يمكن أن يقدر خسران أعظم من هذا وهذا كله سببه النسيان المقيت.

نسي العرب أو تناسوا هذا العدو الألد للإنسانية، هذا الذي رانت عليه الأنانية فتخيل نفسه أشرف الأجناس وخير الأمم، ونظرا إلى غيره نظرة الاحتقار والازدراء، فالبشر عندهم أميون ليس عليهم مرج في استعبادهم وإذلالهم وتسخيرهم لأغراضهم، فمن أطاع عاش ذليلا ومن امتنع صار طريدا أو مات حريقا.

إن ألذ أنواع القتل عندهم - إذا ما تفوقوا - هو الحرق في حده الأقصى وهو التفحم، وقد ذكر الله تعالى نموذجا من هذا التجبر في الأرض في كتابه العزيز، حيث يقول "والسماء ذات البروج واليوم الموعود، وشاهد ومشهود، قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إنهم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ." فقد أجمعت الروايات التاريخية كلها أن المفتونين بالأخدود، قوم اتبعوا النصرانية في بلاد اليمن، فلما تكثروا في نجران، وبلغ ذلك الملك يوسف ذا نواس وكان يهوديا، أمر بحفر أخاديد، وجمع فيها الحطب ثم أشعلت وعرض أهل نجران عليها، فمن رجع عن النصرانية (وهو الدين الحق آنذاك) تركه ومن ثبت على دينه قذفه في النار " النار ذات الوقود" أي أنها لا يخمد لهبها لأن لها وقودا يلقى فيها كلما خبت [ابن عاشور، التحرير والتنوير: .29/241

فالحادثة وقعت في بلاد العرب، وفي اليمن بالتحديد، كان فيها المؤمنين بعيسى عليه السلام، وقودا للنار التي أشعلها اليهود وعلى رأسهم يوسف ذو نواس، وليس هذا عملا فرديا حتى يحسب على ملكهم، بل هي رغبة جامحة من أمة قدست الشر في معابد الخيانة والافتراء والتنكيل والنرجسية، أمة آثرت أن تعيش منزوية على نفسها فريدة في طباعها وأخلاقها ونواميسها، كأنهم ليسوا من بني آدم، وكأنهم لا ينحدرون من هذا الكائن المستخلف، الذي كرمه الله ألا وهو الإنسان فيا أمة العرب، أمة النسيان اربئي بنفسك أن تتخذي عدوك وعدو الله وليا، فتجنبي مقت الله وغضبه عليك، وانبذي ما علق بك منهم من أواصر الصحبة والمعاشرة، فإنهم ليسوا أهلا لبرك، فهاأنتم تحبونهم ولا يحبونكم، فلا ترجون منهم مالا يرجون منكم وكونوا منهم على مسافة من الاحتراز والانتباه واليقظة، فإنهم قوم بهت لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، يرضونكم بأفواههم وتأبي قلوبهم، يتحينون الفرص، وتبصري طريقك طريق الحق فإنك إن تبصرت - فلن تصحبي عدوك أبدا، واحفظي عهد الله لك "أنهم لا خير فيهم" ولا نفع يرجى منهم" واستعيذي بالله من النسيان - اليوم - رأس الدعاء.



بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire