بسم الله الرحمان الرحيم
لا
شك أن الديمقراطية تقوم اليوم على معنى سياسي متفق عليه، أن لا وصاية على
الأمة فيها تختار من نظم الحكم ورجال الدولة ولا مصادرة لحرية الفرد في
نشاطه السياسي والديني، وأنه لا تغييب لدور المواطن في تقرير مصيره في بلده
وممارسة واجباته، والتمتع بحقوق المواطنة التي كلفها له القانون.
والديمقراطية
بهذا المعنى السياسي، وحتى بمعناها الإيديولوجي القديم الذي يعني حكم
الشعب démos - Kratos تؤول بطبيعتها، وبمعناها المنطقي إلى أن الأغلبية هي
التي تحكم البلد، وهي التي تتولى شؤون الأمة المختلفة وهي التي تطبق
برامجها التي دعت إليها في حملتها الانتخابية الرئاسية والبرلمانية على
السواء.
ويقوم النظام الديمقراطي الذي يعني حكم الأغلبية، في مقابلة النظام الاستبدادي الفردي (الذي يعني حكم الأقلية) واعتبر استبداديا من جهة أنه استولى على الحكم من دون اختيار الناس له، ومن دون أن يمثل أكثرية في الأمة، فالنظام الاستبدادي هو قيادة الأقلية للأكثرية وهي مصادرة لحق لا يملكه، لأن مكان الأقلية الذي يتناسب مع وضعيتها هو أن تكون محكومة لا أن تكون حاكمة، ومن هذا المدخل بالذات أي مدخل الاستيلاء على حق ليس لها، وصفت بأنها استبدادية ولكن حكم الأغلبية في المفهوم الديمقراطي وإن شئت في مفهوم العدالة الاجتماعية لا يعني إلغاء الأقلية أو مصادرة حقوقها، ولا يعني اضطهادها لأنها تخالف الأكثرية فحقوقها باقية، لا تسلب ولا تنتهك ولا يُعتدى عليها، وإنما هي معنية بمتابعة الأكثرية والتوافق مع الإرادة السياسية والاجتماعية للأمة. ذلك أن الأكثرية أصبحت تمثل الأمة وتمثل برامجها المختلفة وتطلّعاتها المستقبلية في نظام الدولة الذي اقترحته هذه الأكثرية، وفي مقابلة هذه الحماية التي ستضمنها الأكثرية، تلتزم الأقلية بقرارات الدولة ويبقى لها حقّ النقد والاعتراض على هذه البرامج.
ويقوم النظام الديمقراطي الذي يعني حكم الأغلبية، في مقابلة النظام الاستبدادي الفردي (الذي يعني حكم الأقلية) واعتبر استبداديا من جهة أنه استولى على الحكم من دون اختيار الناس له، ومن دون أن يمثل أكثرية في الأمة، فالنظام الاستبدادي هو قيادة الأقلية للأكثرية وهي مصادرة لحق لا يملكه، لأن مكان الأقلية الذي يتناسب مع وضعيتها هو أن تكون محكومة لا أن تكون حاكمة، ومن هذا المدخل بالذات أي مدخل الاستيلاء على حق ليس لها، وصفت بأنها استبدادية ولكن حكم الأغلبية في المفهوم الديمقراطي وإن شئت في مفهوم العدالة الاجتماعية لا يعني إلغاء الأقلية أو مصادرة حقوقها، ولا يعني اضطهادها لأنها تخالف الأكثرية فحقوقها باقية، لا تسلب ولا تنتهك ولا يُعتدى عليها، وإنما هي معنية بمتابعة الأكثرية والتوافق مع الإرادة السياسية والاجتماعية للأمة. ذلك أن الأكثرية أصبحت تمثل الأمة وتمثل برامجها المختلفة وتطلّعاتها المستقبلية في نظام الدولة الذي اقترحته هذه الأكثرية، وفي مقابلة هذه الحماية التي ستضمنها الأكثرية، تلتزم الأقلية بقرارات الدولة ويبقى لها حقّ النقد والاعتراض على هذه البرامج.
وتنبني
"العلمانية" على أساس ما تهيئه مبادئ الديمقراطية من حقوق المواطنة كحق
التعبير وحق الانتخاب وحق الترشح وحق الانتماء إلى مذهب سياسي معين وحق
الاعتقاد والتديّن من دون المساس بمصالح الآخرين وحقوقهم وتعني العلمانية
في مظهرها العام، منع الفرد من تكريس الإيديولوجيا وفرض الوصاية على
الآخرين، لأنه تجاوز للحرية الشخصية، وتعارض مع الديمقراطية، وهذا هو منتهي
العلمانية أن يترك لجميع أفراد المجتمع على اختلاف انتماءاتهم السياسية
حرية التفكير، وحرية التمذهب وحرية العقيدة، على أن يكون زمام المبادرة
السياسية ووضع البرامج المختلفة للدولة في أيدي من تحصلوا على الأكثرية في
الانتخابات الحرة والنزيهة وهذا ما تعنيه بصدق الديمقراطية وإن شئت الشورى
ولا التفات إلى الأسامي إذا كان المعنى متفقا عليه. وكما بينت فلا تعارض
بين "العلمانية" التي تتمحور حول الحرية وبين أن يكون الحكم والتسيير
والاجتهاد في القانون حقا للجماعة الغالبة في الانتخابات لتطبيق برنامجها
الانتخابي الذي دعت إليه من دون المساس ببديهيات الدستور، ولذلك فلا يحق
للأقلية في المجتمع بدعوى الحرية أن تمنع تطبيق المبادئ التي نادت بها
الأكثرية أو تعطيلها أو رفض الانضواء تحت حكم الأغلبية لأن ما تمارسه
الأقلية حينئذ، يكون معارضا للديمقراطية، ومعارضا لأبسط الحقوق السياسية
المتعارف عليها، والمتفق على أسسها بين جميع شعوب العالم. ويصبح ما تنادي
به الأقلية من الامتناع عن الانقياد لاختيارات الأمة والتحريض على الرّفض
تكريسا للفوضى والاستبداد، ومحاولة تسلم القيادة من دون أن يكون لها الحق
في ذلك. ويصبح هذا الخطاب المغلف "بالعلمانية" خطابا عنصريا، متخلفا مقيتا
لا يتجاوب مع تطلّعات الأكثرية.
ولا
أدل على تخلف هذا الخطاب وانغلاقه ما تنادي به بعض الأحزاب المتخفية تحت
شعار "الديمقراطية" و "التقدمية" و "العلمانية" في مجتمعاتنا الإسلامية من
الدعوة إلى "الدولة اللائكية" أي نفي الحضور الديني في المجال السياسي
والاجتماعي وحصر الممارسة الدينية في بيوت العبادة، وقصرها على المجال
الفردي والشخصي، فالتدين عندهم حق، ولكنه حق ذاتي لا يسمح به إلا داخل
كينونة الفرد وأن بروز ظاهرة التدين في المجتمع، يعني عندهم تجاوز للحد
المسموح به، وتعدٍّ على الحرية، ولكن هؤلاء غاب عنهم أو تجاهلوا أن للدين
مظهرا اجتماعيا كما أنّ له مظهرا فرديا. فأما المظهر الفردي فلا إشكال فيه،
ولا اختلاف في أحقيته. وإنما الخلاف مع هؤلاء المتناسين لحقوق الآخرين
المتلاعبين بمبادئ الديمقراطية في الجانب الاجتماعي للتدين فأقول لهم إن
التدين والممارسة الدينية والتمظهر الديني في المجتمع التونسي، وكذلك
المواصفات الدينية، مظاهر معلومة، متحققة، مأخوذ بها حاضرة في ممارساتنا
الاجتماعية، فكيف يعقل أن يطلب إقصاء الإسلام بدعوى "اللاّئكية" في
مجتمعنا، الذي يمتد تاريخ أسلمته إلى أكثر من أربعة عشر قرنا، وكيف يكون
لقلة من الناس هجينة في تفكيرها، أن يكون لها الحق في تكريس مبدإ سياسي
لائكي فيه إقصاء للإسلام من الحياة السياسية للمجتمع، مع العلم بأن الإسلام
في بلدنا، تجاوز مرحلة الحضور الشخصي الفردي إلى مرحلة أضاء فيها جميع
جوانب الحياة الاجتماعية وعمّر في كافة مشاغله، واختلط بعاداته وسياسته
وقانونه وآدابه وجميع حركاته وسكناته.
كيف
يكون لقلة، استمدت مبادئها وقيمها ونظم حياتها من أطروحات غريبة عن
حضارتنا، أن يكون لها الحق في تقرير مصيرنا، وتحديد اختياراتنا وضبط
المبادئ التي سنسير عليها , ألا يستحي هؤلاء أن يدعوا إلى الديمقراطية والعلمانية واحترام اختيارات الأكثرية وهم أوّل من يقف في مواجهة هذه المبادئ , أليس
من مظاهر الديمقراطية أن يكون للإسلام حضور يتناسب مع حجمه الحضاري
والثقافي في الأمة، وأن يكون له تقديم يتناسب مع هذا الحضور. نعم الواجب في
حقّ هذا الدين، أن لا يقمع الاقلية، ولا يمنع التعبير المخالف ولا يمنع
الحرية الفردية فيما لا يتعارض مع ثوابت الهوية، وهذا الأمر قد كفله وحماه
بالترتيبات المدنية المختلفة، بل قنّنه بالتشريعات والأحكام بما لا يسمح
هذا المقال المختصر ببيانه، وقد يكون مجال غير هذا لتوضيح هذه التشريعات.
وأجلى
مظاهر هذه العدالة الاجتماعية التي نرجو أن تقع المحافظة عليها، أن نحتكم
إلى "صناديق الانتخاب" السّالمة من التزوير، فما أفرزته على أنه يمثل
الأكثرية، فهو الحقيق بالحضور السياسي والاجتماعي، ونترك التجني على
الآخرين لأنه ليس من أخلاق الديمقراطية.
فإن
أفرزت هذه الصناديق الفوز لمناصري اللائكية واختار النّاس إقصاء الدين عن
الحياة السياسية وقصره على الممارسة الشخصية للعبادة، فإنني أكون أول من
يعترف بهذه اللائكية وأول من يعمل تحت رايتها، وإن كان الأمر الآخر، ويكون
الدين على خط التواصل الاجتماعي، فإنه لا يسعك أيها الرفيق اللائكي إلا أن
تبدي تقاسيم الطاعة لنظام سياسي مدني، يتوافق مع تعاليم الإسلام وقيمه
ويتجانس مع حضارة بلادنا التي هي بالأساس حضارة إسلامية، نظام يقوم على
التعاقد الاجتماعي، وتبادل الحقوق، ونشر الحريات الدينية والسياسية واحترام
الآخر في عقيدته وفكره، آخذا بعين الاعتبار أن الدين الإسلامي مقوم أساسي
وظاهرة بارزة محترمة في مجتمعنا وأننا لا نسمح لمن يدوس قيمنا أو ينتقص
منها، أو يحاول إقصاءها من مضموننا الاجتماعي والحضاري، والإسلام ليس مذهبا
تيوقراطيا ( Théocratique) يحكم فيه الحاكم باسم الإله، أو ينوب عن حكم
السماء، وإنما هو مشروع حضاري مدني يقوم على تعاقد اجتماعي بين مختلف فئات
المجتمع تسوده الشورى، ويحتكم إلى قيم العدالة والمساواة والتكافل
الاجتماعي وتقوم القوانين فيه على أساس رعاية مصالح الخلق في الآجل والعاجل
معا، ولا أدل على هذا الحضور المدني للإسلام ما استفادته القوانين الوضعية
العربية منها والغربية في شتى مجالات الحياة المختلفة في السياسة
والاقتصاد والاجتماع والثقافة وغيرها. واشتقت منه الدساتير، في بنودها
العريضة من مبادئ الحرية الدينية، والمشاركة السياسية ونبذ العنصرية وإقامة
العلاقات البشرية على أساس المواطنة وما استفادته الحضارة الإنسانية من
قيم سامية في العلاقات الأسرية والمهنية وفي مجال المعاهدات والقوانين
الدولية، بما لا يُنكر ولا يُجحد وفي
الأخير أقول لأنصار اللاّئكية إنكم إن كنتم تريدون سلما اجتماعيا في بلد
عربي يدين بالإسلام فإنما يكون ذلك في إطار أن تقروا للآخر المنكر للاّئكية
أن يعيش ويحس بانتمائه لحضارته وتاريخه، وإنه من الديمقراطية أن تسلم له
بذلك وتحترم اختياره، وتسلم بأكثريته وبالتالي تسلم بأن دستور البلد يقوم
على الإسلام شكلا ومضمونا وهدفا.
بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة

0 commentaires:
Enregistrer un commentaire