mardi 27 décembre 2011
11:47

"Dégage" الكلمة المدوّية


 
بسم الله الرحمان الرحيم

إنّها الكلمة التي قرعت آذان من ألقيت عليهم، ودمغت رؤوسهم، إنها كلمة مستعملة في خطاب الناس وتعني "الطّرد" ولكن أصبح لها حضور اصطلاحي بارز، وإن شئت حضور سياسي ملفت للنظر، إنها في استعمالنا تفيد طرد من يجلس على منصة الحكم والإدارة والتسيير وحتّي العلم، لأنه لا يستحقّ أن يُسيّر، ولا يستحق أن يتقدم، ولا يستحق أن يحكم وبعبارة مختصرة في ثقافتنا الإسلامية لا يستحق أن "يؤم" من "أمّ" يؤم إمامة أي تقدم وترأس. 
ولكن وقبل كل شيء أتدرون من أول من استعمل الكلمة ومن أوّل من نطق بها وأطلقها مدوّية أمام ملإ عظيم؟ إنه ربّ العالمين صاحب الشأن العظيم. ألقاها مدوّية في وجه الشيطان الرجيم، المخرج من الجنّة والمطرود من الرحمة، والمتنحي من المقام الرفيع مقام العلّيين من الملائكة والمقرّبين، بسبب أنّه ظلم الإنسان المسكين، دفعه الحسد والكبرياء المزيّف والأبهة أنه خلق من نار، وبالتالي فإنه لا يعترف بمخلوق خلق من طين، لم يرض الشيطان السجود له، أي رفض الاعتراف له بالفضل ورفض أن يكون الإنسان كائنا محترما، كائنا يستحق عناية الله وتبجيله، أراد الشيطان أن تكون نعم الله له وحده وأن يكون هو وحده المتمرغ في بحبوحة الجنّة، أراد لِلُؤمِهِ ونرجسيته وأنانيته أن لا يشاركه أحد في هذا النعيم الأبدي.

أمر الله جلّ شأنه الشيطان بالسجود لآدم ولا تظنون أن السجود في هذا المقام هو تمكين الجبين من الأرض تقديسا وعبادة. فذلك السجود لا يكون إلا لرب العالمين، وإنما السجود الذي أمر به الشيطان هو اعتراف للإنسان بأن له فضلا، وأنّ الله كرّمه بالخلق، وجعله من عباده المصطفين، وهداه إلى معرفته وحَبَاهُ بعنايته إنه الضيف الجديد الذي التحق بموكب التشريف لقد أصابت الغيرة الشيطان لمّا خلق الإنسان وقد كان تقدم عليه في الخلق. فلما رأى عقله وإرادته وحسنه حسده وحقد عليه، ففسد طبعه وساء خلقه وتحولت شخصيته إلى كائن شرير متعال، سيّء الخطاب والنية، فماذا استحق؟ استحق الإخراج من الجنّة واستحق اللعن واستحق بالمصطلح المعاصر Dégage.

إنه لم يحترم نفسه، إنه الأناني الخسيس، الحاقد الوضيع كُرّم وقُدم ثم لسوء تصرّفه لُعنَ وأُطرد.
وهكذا الظلمة المستبدّون، يكرّرون صنيع الشيطان، يكرمون في البداية، ويحترمهم الناس، ثم شيئا فشيئا يتعالون، ويكبر نفوذهم ويزداد سلطانهم ويستعبدون الناس بالناس الذين استخدموهم بالولاء وأذلوهم بالمال وفي نفس الوقت تصغر هممهم، وتطغى الأحقاد في قلوبهم، وتتلوث نفوسهم بالكيد والحقد واللؤم على الناس فيهينُونهم ويحتقرونهم، ويؤول الأمر بعد ذلك حينما ينتشر الظلم وتطغى الانتهازية أن تعلنها الجماهير مدوّية، اخرج أيها الحاكم الظالم، اخرج أيها الانتهازي الكالش من وطننا وتاريخنا وحضارتنا وآثارنا غير مأسوف عليك فإنك لم تُبق شيئا. صادرت الحرية ونهبت المال وزرعت الأحقاد، ونشرت الفساد وأهلكت الحرث والنّسل، اخرج أيها المتسربل بسربال الكبرياء والأنانية، Dégage أيها الرجيم الثاني التحق بأخيك في المقام المهين والعذاب الأليم، لا ينظر إليك بعين الرحمة، ولا يخفف عنك مما أنت فيه من اللّعن والصّغار والجحيم الأبدي.



بقلم: الدكتــــــور هشام قريسة
   
     

1 commentaires:

المكتبة الزيتونية a dit…

جزاك الله خيرا يا أستاذنا الكريم

Enregistrer un commentaire